قصه حياه سانت ريتا
ولـدت ريـتـا ســـــنـة 1370 فـي قـريـة " روكـابـوريـنـا" الـصـغـيـرة الـتـابـعـة لـمـديـنـة كـاشــــيـا والـواقـعـة فـي
مـنـطـقـة جـمـيـلـة فـي أواســـــــط أيـطـالـيـا ، شـــمـالـي رومـا الـعـاصـمـة . وســــمـيـت الـطـفـلـة فـي الـعـمـاد "
مـاركـريـتـا " وســـمـاهـا الأقـارب " ريـتـا " تـحـبـنـا . وكــانـت وحـيـدة لـوالـديـهـا الـلـذيـن بــذلا قـصـارى جـهـدهـمـا فـي
تـوفـيـر تـربـيـة مـســيـحـيـة أصـيـلـة لـهـا . إلا أن الـمـحـيـط الـذي عــاشــــــــت فـيـه ريـتـا الـصـغـيـرة كـان مـشـــحونـاً
بـالأحـقـاد والـخـصـومـات الـتـي تـؤدي غـالـبـاً إلـى الأنـتـقـام والـقـتـل.
ومـا أن بـلـغـت الـفـتـاة الـثـانـيـة عـشــر مـن ســــنـهـا ، حـتـى خـطـبـهـا شــــــاب اســمـهـه بـاولـو مـانـشـــــيـنـو ، وهـو
مـن أبـنـاء الـقـريـة ويـعـمـل لـحـســـــاب أحـد الأقـطـاعـيـيـن . وكـان بـاولـو حـاد الـطـبـع شــــــرس الأخـلاق ، عـلـى
أحـد الـنـقـيـض مـن ريـتـا الـوديــعـــة الـمـتـديـنـة . لـكـن الـزواج لـم يـتـم إلا ســـنـة 1387 ، لإنـهـمـاك بـاولـو في
الـصراعـات الـدائـرة في الـمـنـطـقـة .
وتـوفـي والـد ريـتـا بـعـد مـدة قـصـيـرة مـن زواجـهـــا ، وتـبـعـتـه والـدتـهـا الـى الـلـحـد ، مـمـا ســـبـب حـزنـاً عـمـيـقـاً
فـي نـفـس ريـتـا . وكــانـت ســـنـوات الـزواج الأولـى صـعـبـة لـريـتـا ، بـالـنـظـر إلـى طـبـع زوجـهــا ومـيـولـه إلـى
الـعـنـف والـشـــراســـة . ولـكـنـهــا حـاولـت أن تـتـكـيـف مـع وضعـهـا الـجـديـد ، وأن تـفـهـم وتـتـحـمـل مـســـــــؤلـيـات
حـالـتـهـا الـزوجـيـة . فـأخـذت تـرفـع الـصـلـوات الـحـارة عـلـى نـيـة زوجـهـا وتـتـفـانـى فـي خـدمـتـه واكـتـســـاب رضـاه
وثـقـتـه ، وتـبـذل جـهـدهـا فـي اســتـئـصـال الـبـغـض مـن قـلـبـه وتـوجـيـه مـشـــاعـره نـحـو الـخـيـر والـســـلام .
وأنـجـزت ريـتـا ولـديـن تـؤمـيـن ، ســــمـي أحـدهـمــا جـان جـاكـومـو ، والآخـر بـاولـو مــاريــا . وعـكـفـت الأم الـشــابـة
عـلـى تـربـيـة ولـديـهـا وتـوجـيـهـهـمـا إلـى الـخـيـر والـمـحـبـة مـنـذ صغـرهـمـا. وكان لـمـيـلادهـمـا تـأثـيـر إيـجـابـي فـي
نـفـس الـوالـد الـذي هـدأ قـلـيـلاً في تـصـرفـاتـــه ، ولـم يــعــد يــحــمــل السلاح
إلا أن زوج ريـتـا اغـتـيـل فـي أحـد الـلـيـالي ، بـيـنـمـا كان عـائـداً مـن كـاشـيـا إلى قـريـتـه . وقـبـل وفاتـه ،سـمـعـوهُ
يـتـلـفـظ بـكـلـمـات الـغـفــران لـقـاتـلـيـه ، وانـكـبـت ريـتـا الـمـنـكـوبـة عـلـى جـثـمـانـه وقــالـت : " أغـفـر لـه يـا رب ،
خـلـص نـفـســــه ، أغـفـر لـه كـمـا أغـفـر لـقـاتـلـيـه " . وكـان ذلـك ســــنـة 1404 ، وكـان عـمـر ريـتـا اذ ذاك 34
عـامـاً . وعـكـفـت عـلـى الإهـتـمــــام بـولـديـهـا ، وكـانـــت عـلـى عـلـم بـمـــا يـدور فـي خـاطـرهـمـا مـن عـواطـف
الـثـأر لـوالـدهـمـا . فـأخـذت تـصـلـي وتـطـلـب مـن الـلـه أن يـمـنـع وقـــوع هــذه الـجـريـمـة . وحـاولـت تـهـدئـة
الـولـديـن وحـمـلـهـمـا عـلـى الـغـفـــران لـقـاتـلـي والـدهـمـا . وإذ لــم تـجـد مـحـاولاتـهـا نـفـعـاً ، عـمـدت إلـى اســـلـوب
بـطـولـي : الـتـمـســـــت مـن الـلـه أن يـأخـذهـمـــا قــبــل أن يـرتـكـبـا الـجـريـمـة الـتـي يـنـويـان اقـتـرافـهـا . واســتـجـاب
الـلـه إلـى تـضـرع هـذه الـوالـدة الـقـديـســة ، فــتــوفــــي الــولـــدان ، الــــواحـــــد تــلــو الآخــــر ، خــــــلال ســـنـة 1405
وجـِدَت ريـتـا نـفـســــهـا أمـام فـراغ هـائـل . ولـكـنـهـا لـم تـيـأس . بـل ، امـتـثـالاً لـلـمـشـــورة الأنـجـيـلـيـة ، بـاعـت كـل
مـا كـانـت تـمـلـكـه ووزعـت كـل شــــــيء عـلى الـفـقـراء والـمـحـتـاجـيـن وعـلـى الـمـشــــاريـع الـخـيـريـة ، وقـررت
الـدخـول إلـى ديـر مـريـم الـمجـدلـيـة لـلـراهـبـات الأوغـسـطـيـنـيـات فـي مـنـطـقـة كـاشـيـا . إلا أن راهـبـات الـديـر
رفـضـنـهـا . واعـادت ريـتـا الـكـرة مـرات عـديـدة ، ولـكـنـهـا لـم تـتـلـق ســـــوى الـرفـض الـقـاطـع ، لـكـونـهـا أرمـلـة
وزوجـة قـتـيـل ! لـكـن الـلـه الـقـديـر دبـر لـهـا أمـر دخـولـهـا إلـى الـديـــر بـصـورة خـارقـــة ، إذ نـقـلـهـا إلـى الــديـــــر
لـيـلاً ، ووجـدتـهـــا الـراهــبــــات صـبـاحـــاً فـي قـاعـة الـديـر بـطـريـقــــة مـدهـشـــة . فـلـم يـســـع الـراهـبـات إلا
الـرضـوح لإرادة الـلـه ، وقـبـلـن ريـتـا فـي الـديـر ســـنـة 1406 .
لـقـد تـحـقـقـت امـنـيـة ريـتـا ، فـمـــا أســــعـدهـا ! وبـعـد ســـنـة الأبـتـداء ، أبـرزت نـذورهـا الـرهـبـانـيـة . وعـلـيـهـا مـن
الآن ، أكـثـر مـن ذي قـبـل ، أن تـنـشــــر الـمـحـبـة حـولـهـا ، وأن تـكـون رســـولـة لـلـســـلام . والـكـرمـة الـمـوجـودة
حـتـى الآن في فـنـاء الـديـر تـشـهـد لـطـاعـة ريـتـا الـتـي ، نـزولاً عـنـد أمـر رئـيـســتـهـا ، زرعـت غـصـن كـرمـة
يـابـســـاً وســــــقـتـه طـوال ســـــنـة كـامـلـة ، وإذا بـالـغـصـن الـيـابـس يـلـيـن ، وتـنـبـت فـي أطـرافـــــه بـراعـم
خـضـراء ، ويـصـبـح كـرمـــة بـاســــقـة الأغـصـان مـا تـزال حـتـى الـيـوم تـعـطـي الـديـر ظـلـهـا وعـنـاقـيـدهـا
الـلـذيـذة .
وفـي جـمـعـة الآلام ســنـة 1432 ، تـأثـرت ريـتـا كـثـيـراً بـكـلـمـات الـراهـب الـخـطـيـب الـذي تـحـدث عــــن آلآم
الـمـســـيـح . وفـي طـريـق الـعـودة مـن الـكـنـيـســـة الـخـورنـيـة ، أخـذت تـراجـــع حـيـاتـهـا فـي جـمـيـــع مـراحـلـهـا .
وعـنـد وصـولـهـا الــديـــــر ، دخـلـت صومـعــتــهــــا وعـكـفـت عـلـى صـلاة مـضـطـرمـــة أمـام الـصـلـيـب ، وتـأمـل
عـمـيـق وإنـخِـطـاف روحـي . وإذا بـهـا تـشـــعـر بـأن اكـلـيـل الـشـــوك الـذي كـلـل بـه رأس يـســـوع قـد وضـع عـلـى
رأســـهـا ، فــأهـتـز لـهـه جـســـمـهـا ، وشـــحـب لـونـهـا وتـدلـى رأســـهـا عـلـى صـدرهـــا فـي شـــبـه غـيـبـوبـة
ألـيـمـة . وأصـيـب جـبـيـنـهــا بـجـروح نـتـيـجـة إنـغـراس شـــوكــــة مـن الأكـلـيـل فـيـه . واســـتـمـر هـذا الـجـرح يـنـزف
مـدة خـمـســـة عـشـــرة ســـنـة ، وكـان علامـــــة عـلـى اشـــتـراك ريـتـا فـي آلام الـفــادي اشـــتـراكـاً مـســـتـمـراً ، ولـم
يـخـتـف مـؤقـتـاً إلا خـلال زيـارتـهـا لـرومـا .
وكــــان هـذا الـجـرح يـســـبـب لـهـا آلامــاً شـــديـدة وحـرجـاً كـبـيـراً أمـام أخـواتـهـا الـراهـبـات . ثـم جـــاء مـرض آخـر
ســـنـة 1443 ، وأرغـمـهـا عـلـى مـلازمـــة الـفـراش فـي صـومـعـتـهـا طـوال أربـع أعـوام .
وفـي شـــهـر كـانـون الـثــانـي ســـنـة 1447 ، تـذكـرت ريـتـا قـريـتـهـا ومـنـزلـهـا وحـديـقـتـهـا ، وتـمـنـت أن يـؤتـي لـهـا
بـوردة مـن تـلـك الـحـديـقـة مـــن ثـمـرتـي تـيـن ، وطـلـبـت ذلـك مـن الـمـرأة الـتـي تـرافـقـهـا . ويـا لـدهـشــة هـذه
الـمـرأة حـيـنـمـا لاحـظـت صـبـاح الـيـوم الـتـالـي ان امـنـيـة ريـتـا تـحـقـقـت فـعـلاً ، فـحـمـلـت إلـيـهـا الـوردة
والـتـيـنـتـيـن .
وفـي فـجـر 22 ايـار 1447 ، لـفـظـت ريـتـا أنـفـاســـهـا الأخـيـرة وهـي فـي الســـابـعـة و الـســـبـعـيـن مـــن ســنـهـا .
ويـقـال أن نـواقـيـس الـديـر شـــرعـت تـقـرع بـشـــدة تـلـقـائـيـاً عـنـد وفـاتـهـا . وتـجـاوبـت مـعـهـا نـواقـيـس كـنـائـس
كـاشـــيـا كـلـهـا. وبـعـد مـوتـهــا كـثـرت الأعـاجـيـب الـتـي جـرت بـشـفـاعـتـهـا ، وشـــعَ جـبـيـنـهـا جـمـالاً ، وفـاضَـت
مـنـهـا رائـحـة زكـيـة . ودُفِـنَ جُـثـمـانـهـا فـي ديـرهـا . وســـرعـان مـا أصـبـح مـحـجـة تـقـصـدهـا جـمـوع غـفـيـرة مـن
الـنـاس . وحـيـنـمـا بـوشـــــر بـدعـوى تـطـويـبـهـا ، وفــتــح قـبـرهـــــا ، عـــايـن الـحـاضـرون أن جـثـمـانـهـا قـد بـقـى
سـالـمـاً – وهـو مـايـزال هـكـذا حـتى الآن . ومـرت سـنـوات طـويـلـة عـلـى وفـاة ريـتـا ، وفـي ســـنـة 1628 ، أعـلـنـت
ريـتـا طـوبـاويـة ، وفـي ســـنـة 1900 ، أعـلـنـهـا الـبـابـا لاون الـثـالـث عـشـــر
قـديـســـة .
هـكـذا أعـطـت الـقـديـســـة ريـتـا مـثـالاً رائـعــاً لـكـل راهـبـة ، ولـكـل شــابـة وأمـرأة مـسـيـحـيـة بـسـخـائـهـا وإيـمـانـهـا
وتـقـواهـا ... وهـي الـيـوم تـدعـوا الـجـمـيــع الـى الأقـتـداء بـهـا كـمـا اقـتـدت هـي بـالـمـســـيـح . فـعـســانـا نـتـعـلـم
مـنـهـا أن درب الـقـداســـة ، يـمـر مـن خـلال الـحـقـائـق الـيـومـيـة ، ومـن خـلال خـدمـــة اخـوتـنـا الـبـشـــر .